ابن النفيس
المقدمة:
يعرف ابن النفيس أحياناً بالقَرَشي نسبة إلى بلدة قرشي التي تقع بلاد ما وراء النهر. ولد ١٢١٣م في دمشق و توفي في ١٢٨٨م هو احد العلماء الذين وضعوا بصمتهم في الطب و هو عالم موسوعي وطبيب مسلم، ويعد مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وأحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان، حيث وضع نظريات يعتمد عليها العلماء إلى الآن. عين رئيسًا لأطباء مصر. ويعتبره كثيرون أعظم فيزيولوجييّ العصور الوسطى. ظل الغرب يعتمدون على نظريته حول الدورة الدموية، حتى اكتشف ويليام هارفي الدورة الدموية الكبرى.
حياته:
ولد بدمشق في سوريا عام ٦٠٧هـ على وجه التقريب، ونشأ وتعلم بها في مجالس علمائها ومدارسها. قيل إن لقبه القَرشي نسبة إلى القرش، حيث ذكر ابن أبي أصيبعة أنها قرية قرب دمشق، وتذكر دائرة المعارف الإسلامية أنه ولد على مشارف غوطة دمشق، وأصله من بلدة قُريشية قرب دمشق. والراجح انه من قبيلة قريش من بني مخزوم من الخوالد ، وورد لقبه في أول طبعة لكتابه “الموجز”.
تعلم في البيمارستان النوري بدمشق، كما كان ابن النفيس معاصرًا لمؤرخ الطب الشهير ابن أبي أصيبعة، صاحب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، ودرس معه الطب على ابن الدخوار.
وقد درس ابن النفيس أيضًا الفقه الشافعي، كما كتب العديد من الأعمال في الفلسفة، وكان مهتما بالتفسير العقلاني للوحي. وخلافًا لبعض معاصريه والسلف، اعتمد ابن النفيس على العقل في تفسير نصوص القرآن والحديث. كما درس اللغة والمنطق والأدب.
هناك اختلاف حول تاريخ انتقاله إلى القاهرة، إلا أنه يمكن تقدير ذلك في الفترة بين عامي ١٢٣٦م و١٢٣٩م وعند انتقال ابن النفيس للقاهرة عمل في المستشفى الناصري، وبعد ذلك في مستشفى المنصوري الذي أنشأه السلطان قلاوون، حيث أصبح "رئيسًا للأطباء". كما أصبح طبيبًا خاصًا للسلطان الظاهر بيبرس بين عامي١٢٦٠ و ١٢٧٧.
كان لابن النفيس مجلس في داره يحضره أمراء القاهرة ووجهاؤها وأطباؤها، كما كان ابن النفيس أعزب فأغدق على بناء داره في القاهرة، وفرش أرضها بالرخام حتى إيوانها. أما عن وصفه، فقد كان نحيفًا طويل القامة أسيل الخدين، ولم تقتصر شهرته على الطب فقط، بل كان يعد من كبار علماء عصره في اللغة والفلسفة والفقه والحديث.
إنجازاته العلمية:
في عام ١٢٤٢، نشر ابن النفيس أكثر أعماله شهرة، وهو كتاب شرح "تشريح قانون ابن سينا"، الذي تضمن العديد من الاكتشافات التشريحية الجديدة، وأهمها نظريته حول الدورة الدموية الصغرى وحول الشريان التاجي، وقد اعتبر هذا الكتاب أحد أفضل الكتب العلمية التي شرحت بالتفصيل مواضيع علم التشريح وعلم الأمراض وعلم وظائف الأعضاء، كما صوّب فيه العديد من نظريات ابن سينا. بعد ذلك بوقت قصير، بدأ العمل على كتابه الشامل في الصناعة الطبية، الذي نشر منه٤٣ مجلد في عام ١٢٤٤.
على مدى العقود التالية، كتب٣٠٠ مجلد لكنه لم يستطع نشر سوى ٨٠ مجلدا قبل وفاته، وبعد وفاته حلّ كتابه هذا محل "قانون" ابن سينا موسوعة طبية شاملة في العصور الوسطى، مما جعل المؤرخين يصفونه بأنه "ابن سينا الثاني".
كان ابن النفيس قبل ذلك قد كتب كتابه "شرح الأدوية المركبة"، تعقيبًا على الجزء الأخير من قانون ابن سينا الخاص بالأدوية، وقد ترجمه "أندريا ألباجو" إلى اللاتينية في عام ١٥٢٠، ونشرت منه نسخة مطبوعة في البندقية في عام١٥٤٧، والتي استفاد منها ويليام هارفي في شرحه للدورة الدموية الكبرى.
اتصفت آراء ابن النفيس في الطب بالجرأة، فقد فنّد العديد من نظريات ابن سينا وجالينوس وصوّبها.
فُقدت العديد من مؤلفات ابن النفيس عقب سقوط بغداد عام ١٢٥٨ م ، الذي شهد خسارة وتدمير العديد من الكتب المهمة لكثير من علماء المسلمين. كما تبعثرت مخطوطات موسوعته الطبية وضاع أغلبها، حتى قام الباحث الدكتور يوسف زيدان بإعادة تجميع وتحقيق جزء كبير منها على مدى عشرة سنوات، ومن مختلف مكتبات العالم، من بغداد ودمشق، وحتى أوكسفورد وستانفورد وغيرها، ليتم بعد ذلك نشرها بالتدريج منذ عام٢٠٠٠م.
اكتشافه للدورة الدموية الصغرى:
يعتبر اكتشافه للدورة الدموية الصغرى أحد أهم إنجازاته، حيث قال:
”إن الدم ينقى في الرئتين من أجل استمرار الحياة وإكساب الجسم القدرة على العمل، حيث يخرج الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين، حيث يمتزج بالهواء، ثم إلى البطين الأيسر.
كان الرأي السائد في ذلك الوقت، أن الدم يتولد في الكبد ومنه ينتقل إلى البطين الأيمن بالقلب، ثم يسري بعد ذلك في العروق إلى مختلف أعضاء الجسم.
ظل اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية الصغرى (الرئوية) مجهولاً للمعاصرين حتى عثر محيي الدين التطاوي عام١٩٢٤ م ، أثناء دراسته لتاريخ الطب العربي على مخطوط في مكتبة برلين رقم٦٢٢٤٣ بعنوان "شرح تشريح القانون"، فعني بدراسته وأعد حوله رسالة للدكتوراه من جامعة فرايبورغ بألمانيا موضوعها "الدورة الدموية عند القرشي". ولجهل أساتذته بالعربية، أرسلوا نسخة من الرسالة للمستشرق الألماني مايرهوف (المقيم بالقاهرة وقتها)، فأيد مايرهوف التطاوي. وأبلغ الخبر إلى المؤرخ جورج سارتون الذي نشره في آخر جزء من كتابه "مقدمة إلى تاريخ العلوم”.
المصدر:
{ابن النفيس :الشامل في الصناعة الطبية (مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 6057/ل)ومخطوطات جامعة كمبردج رقم1546 ومخطوطة جامعة استانفورد لاين رقم 276}
سامي حجار
و
روني حجار